قصة حب عجيبة..
مقال كتبه الأستاذ عمرو خالد لمجلة أسرتي في عدد سبتمبر 2004،
هي قصة حب زينب بنت محمد وأبو العاص بن ربيع . زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، وابن خالتها وزوجها . فأبوالعاص هو ابن أخت السيدة خديجة ، وهو رجل من أشراف قريش ، وكان النبي يحبه . ذهب أبوالعاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ، وقال له : أريد أن أتزوج زينب ابنتك الكبرى . فيقول له النبي : لا أفعل حتى أستأذنها . ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم على زينب ويقوللها : ابن خالتك جاءني وقد ذكر اسمك فهل ترضينه زوجاً لك ؟
فاحمرّ وجهها وابتسمت .
فخرج النبي . وتزوجت زينب أبا العاص بن الربيع ، لكي تبدأ قصة حب قوية . وأنجبت منه "علي" و "أمامة". ثم بدأت مشكلة كبيرة حيث بعث النبي . وأصبح نبياً بينما كان أبو العاص مسافراً وحين عاد وجد زوجته أسلمت . فدخل عليها من سفره ، فقالت له : عندي لك خبر عظيم . فقام وتركها. فاندهشت زينب وتبعته وهي تقول: لقد بعث أبي نبياً وأنا أسلمت . فقال : هلا أخبرتني أولاً ؟
وتطل في الأفق مشكلة خطيرة بينهما . مشكلة عقيدة . قالت له : ماكنت لأُكذِّب أبي . وما كان أبي كذاباً . إنّه الصادق الأمين . ولست وحدي . لقدأسلمت أمي وأسلم إخوتي ، وأسلم ابن عمي (علي بن أبي طالب)، وأسلم ابن عمتك (عثمان بن عفان) . وأسلم صديقك (أبو بكرالصديق) .
فقال : أما أنا لا أحب الناس أن يقولوا خذل قومه . وكفر بآبائه إرضاءً لزوجته . وما أباك بمتهم . ثم قال لها : فهلا عذرت وقدّرت ؟ فقالت : ومن يعذر إنْ لم أعذر أنا ؟ ولكن أنا زوجتك أعينك على الحق حتى تقدر عليه . ووفت بكلمتها له 20 سنة .
وظل أبو العاص على كفره . ثم جاءت الهجرة ، فذهبت زينب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : يا رسول الله.. أتأذن لي أنْ أبقى مع زوجي . فقال النبي صلى الله عليهوسلم : أبق مع زوجك وأولادك .
وظلت بمكة إلى أنْ حدثت غزوة بدر، وقرّر أبو العاص أن يخرج للحرب في صفوف جيش قريش . زوجها يحارب أباها . وكانت زينب تخاف هذه اللحظة . فتبكي وتقول : اللهم إنّي أخشى من يوم تشرق شمسه فييتم ولدي أو أفقد أبي . ويخرج أبو العاص بن الربيع ويشارك في غزوة بدر، وتنتهي المعركة فيُؤْسَر أبو العاص بن الربيع ، وتذهب أخباره لمكة ، فتسأل زينب : وماذا فعل أبي ؟ فقيل لها : انتصر المسلمون . فتسجد شكراً لله . ثم سألت : وماذا فعل زوجي ؟ فقالوا: أسره حموه . فقالت : أرسل في فداء زوجي . ولم يكن لديها شيئاً ثميناً تفتدي به زوجها ، فخلعت عقد أمها الذي كانت تُزيِّنبه صدرها، وأرسلت العقد مع شقيق أبي العاص بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان النبي جالساً يتلقى الفدية ويطلق الأسرى، وحين رأى عقد السيدة خديجة سأل : هذا فداء من ؟
قالوا: هذا فداء أبوالعاص بن الربيع . فبكى النبي وقال : هذا عقد خديجة . ثم نهض وقال : أيها الناس.. إنّ هذا الرجل ما ذممناه صهراً فهلا فككت أسره ؟ وهلا قبلتم أنْ تردوا إليها عقدها ؟ فقالوا نعم يا رسول الله . فأعطاه النبي العقد ، ثم قال له :
قل لزينب لا تفرطي في عقد خديجة . ثم قال له : يا أبا العاص هل لك أن أساررك ؟ ثم تنحى به جانباً وقال له : يا أباالعاص إنّ الله أمرني أنْ أُفرِّقَ بين مسلمة وكافر ، فهلا رددت إلى ابنتي؟
فقال : نعم .
وخرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة ، فقال لها حين رآها : إنّي راحل . فقالت : إلى أين ؟ قال : لست أنا الذي سيرتحل، ولكن أنت سترحلين إلى أبيك . فقالت : لم ؟ قال : للتفريق بيني وبينك. فارجعي إلى أبيك . فقالت : فهل لك أن ترافقني وتُسْلِم ؟ فقال : لا.
فأخذت ولدها وابنتها وذهبت إلى المدينة . وبدأ الخطاب يتقدمون لخطبتها على مدى 6 سنوات، وكانت ترفض على أمل أنْ يعود إليها زوجها . وبعد 6 سنوات كان أبو العاص قد خرج بقافلة من مكة إلى الشام،وأثناء سيره يلتقي مجموعة من الصحابة . فسأل على بيت زينب وطرق بابها قبيل آذان الفجر، فسألته حين رأته : أجئت مسلماً ؟ قال : بل جئت هارباً . فقالت : فهل لك إلى أنْ تُسلم؟ فقال : لا. قالت : فلا تخف . مرحباً بابن الخالة . مرحباً بأبي علي وأمامة .
وبعد أن أمّ النبي المسلمين في صلاة الفجر، إذا بصوت يأتي من آخر المسجد : قد أجرت أبو العاص بن الربيع . فقال النبي : هل سمعتم ما سمعت ؟
قالوا: نعم يا رسول الله
قالت زينب: يا رسول الله إنّ أبا العاص إن بعُد فابن الخالة وإنْقرب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله . فوقف النبي صلى الله عليه وسلم . وقال: ياأيها الناس إنّ هذا الرجل ما ذممته صهراً . وإنّ هذا الرجل حدثني فصدقني ووعدني فوفّى لي . فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله وأن تتركوه يعود إلى بلده ، فهذا أحب إلي . وإنُ أبيتم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليه .
فقال الناس: بل نعطه ماله يا رسول الله . فقال النبي : قد أجرنا من أجرت يا زينب . ثم ذهب إليها عند بيتها وقال لها : يا زينب أكرمي مثواه فإنّه ابن خالتك وإنّه أبو العيال، ولكن لا يقربنك ، فإنّه لا يحل لك .
فقالت نعم يا رسول الله .
فدخلت وقالت لأبي العاص بن الربيع : يا أبا العاص أهان عليك فراقنا . هل لك إلى أنْ تُسْلم وتبقى معنا . قال : لا . وأخذ ماله وعاد إلى مكة . وعند وصوله إلى مكة وقف وقال : أيها الناس هذه أموالكم هل بقى لكم شيء ؟ فقالوا : جزاك الله خيراً وفيت أحسن الوفاء . قال : فإنّي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . ثم دخل المدينة فجراً وتوجه إلى النبي وقال : يا رسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
وقال أبو العاص بن الربيع :
يا رسول الله هل تأذن لي أنْ أراجع زينب ؟ فأخذه النبي وقال : تعال معي . ووقف على بيت زينب وطرق الباب وقال : يا زينب إنّ ابن خالتك جاء لي اليوم يستأذنني أنْ يراجعك فهل تقبلين ؟ فأحمرّ وجهها وابتسمت .
والغريب أنّ بعد سنه من هذه الواقعة ماتت زينب . فبكاها بكاء شديداً حتى رأى الناس رسول الله يمسح عليه ويهون عليه ، فيقول له : والله يا رسول الله ماعدت أطيق الدنيا بغير زينب . ومات بعد سنه من موت زينب .
اقول مستعينة بالله تعالى نساء غير النساء ورجال غير الرجال !!